📁 آخر الأخبار

آليات فض المنازعات الإلكترونية وتحقيق العدالة الرقمية

الوسائل الحديثة لفض المنازعات الالكترونية وتحقيق العدالة الرقمية

لم يكن مجال العدالة معزولا عن التطورات التكنولوجية إذ أتاحت هذه الأخيرة للمؤسسات القضائية والقانونية الاستفادة من هذه الطفرة عبر تسخير الثورة الرقمية لخدمة العدالة والقانون.

آليات فض المنازعات الإلكترونية وتحقيق العدالة الرقمية
آليات فض المنازعات الالكترونية وتحقيق العدالة الرقمية.

ويعتبر الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية هو حجر الزاوية في البلدان الديمقراطية، ويأمل المواطنون في إقامة نظام عدالة يتسم بالإنصاف والاستقلال والمساواة والكفاءة والشفافية يمكن الجميع من الوصول إلى عدالة أفضل لهذه الغايات تم تصميم نظام العدالة الرقمية بهدف تجاور سلبيات العدالة التقليدية وتحسين جودتها وسيرها.

ويقصد بالعدالة الإلكترونية هو زيادة كفاءة المؤسسة القضائية والحد من التكاليف وتقليص أمد الخصومات القضائية، وكذا تبسيط الإجراءات والمساطر القانونية سواء عبر آليات الرسمية أو آليات غير الرسمية.

1- الآليات الرسمية لتحقيق العدالة الرقمية

رغم المشهد الذي فرضه وباء كورونا على الأرض التي يعيش عليها إلا أن ظلت هناك ممارسات لا يمكن تعطيلها أو حتى تراخيها أيا كانت قوة هذا الوباء وشراسته ومن ذلك إجراءات التقاضي إذ أنها مرتبطة بإقامة العدل بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه.

ومن هذا المنطلق كان التوجه نحو ضرورة اتخاذ إجراءات التقاضي عن بعد بجوانبه القضائية البحثة أو بجوانبه الإدارية.

وقد تبين أن اتجاه التقاضي عن بعد هو الوجه الثاني من العملة التي وجهها الأول المحكمة الرقمية وهو الاتجاه الذي يهدف إلى تمكين وحوكمة استعمال الوسائل التكنولوجية الإلكترونية في ظروف من الثقة والأمن.

دور المحكمة الرقمية في تحقيق العدالة الإلكترونية

جاءت فكرة المحكمة الرّقمية نتيجة لانتقالنا من الإجرام العادي والجرائم التقليدية إلى الإجرام الرقمي والجرائم المعلوماتية وكان لابد من إنشاء محكمة متخصصة للجرائم التي ترتكب عبر الأنترنيت وما أطلق عليه الغالبية العظمى من الفقهاء مسمى "المحكمة الرقمية".

ستحاول من خلال هذه الفقرة تحديد مفهوم المحكمة الرقمية (أولا) وتوضيح الفرق بين المحكمة الرقمية والمحكمة الإلكترونية وجرد لأهم ما تتميز به من خصائص (ثانيا)، ثم بعد نقوم بجرد لأهم الخصائص التي تمتاز بها المحكمة الرقمية (ثالثا).

أولا - تعريف المحكمة الرقمية

المحكمة الرقمية في المحكمة التي تختص بالدعاوى الرقمية وجرائم الشبكات وتكنولوجيا المعلومات وقضايا الملكية الفكرية والتجارة الإلكترونية وذلك على غرار محاكم متخصصة معينة كمحكمة الأسرة ومحكمة الجنايات والمحاكم المدنية.

وإن كنا نود الحديث عن القاضي في هذا النوع من المحاكم فهو القاضي البشري، لكنه هو القاضي الذي يطبق القوانين الخاصة بالتعاملات الرقمية والحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني والعملات الرقمية.

 فالمقصود هنا هو قضاة المعلومات فهم مجموعة من القضاة المتخصصة يباشرون المحاكمات من خلال موقع كل منهم لدى المحكمة الإلكترونية والتي لها موقع إلكتروني على الأنترنيت ضمن نظام قضائي يمكن أن نطلق عليه الدائرة المعلوماتية القضائية.

يباشر هؤلاء القضاة تطبيق اجراءات التقاضي عن بعد وتدوينها في ملف الدعوى الإلكترونية.

وهي مكنة الوصول إلى إثبات الحق (موضوع الدعوى من خلال مجموعة متطورة من الإجراءات الإلكتروني يصدر الأمر بها من القاضي إلى مجموعة من الموظفين المتخصصين بالعمل الحاسوبي المعلوماتي والذين يطلق عليهم اسم كتبة المواقع الإلكترونية للقيام بتحضير المتداعين أو وكلائهم ومباشرة المحاكمة ويتم تدوينها إلكترونيا بالصوة والصورة.

بحيث يستمع القاضي المعلوماتي لأقوالهم ومرافعاتهم ودفاعاتهم وكذلك الاتصال بالموظفين والاستفسار منهم بما يتعلق بالأمور الإدارية والإجرائية المتعلقة بالدعاوى مع استمرار عملية التصوير والتي تنقل إلى موقع الدائرة المعلوماتية القضائية وبيان مضمونها للخصوم ضمن هذا النظام.

وأما عن الدفاع وتمثيل الخصومة فقد ظهر حديثا ما يمكن أن نسميه المحامي الإلكتروني الذي يقوم بتقديم خدمات الاستشارة عبر شبكة الإنترنيت والشبكات الاجتماعية، ويتعامل بشكل إلكتروني مع موكليه دون الحاجة إلى الالتقاء بهم، كما أنه يتبادل الإجراءات مع المحاكم عبر الوسائط الإلكترونية، مما جعله في صلب العدالة الرقمية وفاعلا أساسيا فيها.

وفي دراسة قامت بها نقابة المحامين الأمريكيين (ABA) أوضحت فيها أن استخدام المحامين لوسائل الإعلام الاجتماعية أخذة في الارتفاع، إذ مكنت التكنولوجيا المحامين من التواصل مع بعضهم البعض.

كما مكنت الجمهور من معرفة المعلومات اللازمة عن المحامين، وهو الأمر الذي يطلب إعادة النظر في القواعد الأخلاقية التقليدية وآليات تنظيم مهنة المحاماة على مستوى الشبكات المفتوحة.

وقد ساهمت سهولة الوصول إلى المعلومات القانونية المنافسة من أطراف ليسوا بمحامين في خدمات تعتبر تقليديا جزءا لا يتجزأ من مهنة المحاماة.

كما لوحظ من قبل نفس النقابة أنه يجب أن يكون المحامون جاهزين الممارسة مهنية تسمح للعملاء بطريقة جديدة للوصول إلى الخدمات القانونية باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال وخشية أن يعتقد البعض أن قانون الممارسة عبر الإنترنت أو الممارسة الافتراضية من نسيج الخيال.

 فقد أصدرت نقابة المحامين الأمريكيين كتابا بعنوان "قانون الممارسة الافتراضية" الذي يتضمن كيفية تشغيل مكتب افتراضي مع المحافظة على أخلاقيات المهنة في عالم اليوم أصبح استخدام تكنولوجيا الاتصال الحديثة يعرف تطورا متزايدا في الحياة اليومية.

وفي ظل هذا التوجه ارتفعت وتيرة استخدام المحامين للفاكسات والهواتف اللاسلكية، والهواتف الخلوية والبريد الإلكتروني والبريد الصوتي والشبكات الداخلية وشبكة الإنترنت في تسيير أعمالهم على الرغم من أن بعض المحامين لا يزالون يرفضون استخدام التكنولوجيات الجديدة في ممارساتهم. فعدد المحامين الذين يستخدمون الهواتف الخلوية و"تصفح الشبكة" في تطور مستمر.

فهو الذي يستوعب التكنولوجيا الرقمية والقوانين الرقمية، ومفردات الجريمة الرقمية وكيفية سير العمليات الرقمية والتتابع المنطقي للعمليات المستخدمة في عمليات معالجة البيانات للحصول على نتائج، وهو ما يعرف عن قرصنة الأنترنيت، وإطلاق الديدان وكيفية معالجتها والفيروسات واختراقاتها للأجهزة والبرامج وكيفية التخلص منها.

أما عن شأن المتهم أو المدعى عليه في تلك القضايا فهو المجرم المعلوماتي الذي يسيئ استعمال أجهزة الحاسب والشبكة الدولية والشبكات الأخرى، بإحدى الطرق التي تعد جريمة يعاقب عليها القانون.

فالمجرم المعلوماتي هو مجرم من نوع خاص، إذ أن القراصنة من أذكى أنواع البشر في كل الدول، وهم من المبتكرين والمتجددين، والمجددين للوسائل والطرق، ومن المجرمين الرقميين : الهاكرز .... وغيرهم.

خلافا للمجرم العادي فكما سبق وأن ذكرنا أننا الآن انتقلنا من الإجرام العادي إلى الإجرام الرقمي من مجرم إلكتروني خارق الذكاء إلى شخص عادي دفعته العوامل الفسيولوجية أو الوراثية أو الاجتماعية أو الاقتصادية لارتكاب الجريمة.

ثانيا - تمييز المحكمة الرقمية عن المحكمة الإلكترونية

إن مصطلح المحكمة الإلكترونية يعد من المصطلحات والمفاهيم الحديثة، حيث أنه لم يظهر إلا قبيل سنوات بعد انتشار مصطلح الحكومة الإلكترونية وإذا كان مصطلح الحكومة الإلكترونية يعني بالخدمات الحكومية كافة، فإن مصطلح المحكمة الإلكترونية يختص بخدمات المحاكم فقط.

إن مصطلح المحكمة الإلكترونية يعني تفعيل تقنية المعلومات بالشكل الأمثل، بما يساعد على جودة الخدمات وسرعة إنجازها كما تنقسم المحكمة الإلكترونية إلى:

  • خدمات المواطنين والأفراد.
  • خدمات القاع التجاري.
  • خدمات الجهات الحكومية الأخرى.
  • خدمات منسوبي وموظفي المحكمة.

إن تطبيق التقنية في الإدارة القضائية بالشكل الصريح والمتدرج له أثر إيجابي، ويشمل هذا الأثر سرعة الإنجاز للمعاملات والقضايا وتوحيد وتبسيط إجراءات العمل، والمساهمة في أمن المعلومات بحفظها وإتاحة الاطلاع عليها للمصرح لهم إضافة إلى ضمان جودة العمل ومواكبة التطور.

إن نجاح التقنية مرتبط بالاهتمام بالعناصر الأخرى المؤثرة في تقديم الخدمات وهي:

  1. تطوير التقنية.
  2. الموارد البشرية.
  3. إجراءات العمل.

فحينما تقوم بعض الجهات بمحاولة تحسين مستوى خدماتها من خلال التركيز على العنصر المؤثر الأول بتطوير التقنية، فإننا نجد أنها أغفلت عن عنصر فعال وهام وهو عنصر الموارد البشرية وذلك بالرغم من أن أساس تحسين مستوى الخدمات وتمثل إجراءات العمل العنصر الثالث الذي لم يراع تحسينه فإن تطبيق التقنية قد يصبح زيادة في العبء على العمل اليدوي.

فيجب التركيز على هذه العناصر الثلاثة، وذلك من خلال:

  1.  الاهتمام بالموارد البشرية.
  2. ورفع مستوى منسوبها فنيا وإداريا.
  3. عقد الندوات وورش العمل المتخصصة للقضاة وكتاب العدل.

إن أنظمة المحكمة الإلكترونية تشمل كلا من نظام إدارة البوابة الإلكترونية ونظام المرافعات ونظام الاتصالات الإدارية ونظام إدارة القضايا ونظام التسجيل الصوتي، ونظام إدارة المحتويات ونظام إدارة الأداء، إضافة إلى إدارة خدمات تقنية المعلومات التحتية من أجهزة وبرامج وأمن المعلومات.

وتطبيق المحكمة الإلكترونية يتطلب العديد من المتطلبات النظامية والإدارية والفنية، بالإضافة إلى الكادر البشري، مثل أنظمة التحقق من الهوية الإلكترونية وحجية المستندات الإلكترونية ودعم الإدارة العليا وإعادة هندسة إجراءات العمل الإدارية والاهتمام بإدارة التغيير وبنى الاتصالات التحتية وتطوير الموظفين وغير ذلك.

الخصومة شخصا طبيعيا أو اعتباريا كالسطو على حقوق الملكية الفكرية لأحد شركات البرمجيات أو سلب حقوق الملكية الفكرية.

ثالثا - خصائص المحكمة الرقمية

من خلال التعريف يمكن استخلاص أهم خصائص المحكمة الرقمية في التالي:

أ) محكمة معلوماتية

تعتمد في مجملها على الأنظمة المعلوماتية، وشبكة الأنترنيت عالية الصبيب تعتمد التبادل الإلكتروني مع مساعدي القضاء ومحرري المحاضر.

ب) محكمة ذكية

بحيث تعتمد على الحاسوب أو اللوحات الإلكترونية والهواتف الذكية في تصريف أعمالها دون حاجتها إلى السجلات الورقية والمحاضر ونماذج المطبوعات.

ت) محكمة غير مقيدة بزمان

وإنما يمكن لها أن تعقد لقاءاتها أو جلساتها في أي ظرفية كانت حالة الطوارئ الصحية مثلا باعتماد وسائل الاتصال الحديثة عبر تقنيات التواصل عن بعد (السكايب) أو تقنية الفيديو كونفيرونس...

ت) محكمة مؤهلة

نعتمد على موارد بشرية (قضاة كتاب الضبط) مؤهلة في الجوانب التقنية والمعلوماتية وإعداد البرامج المعلوماتية واستعمالها.

التقاضي عن بعد كأداة لحل النزاعات الإلكترونية

جاء تبنى الدول للتقنيات الاتصال في مجال العدالة كما سترى في المطلب الثاني الخاص بجهود الدول في تكريس العدالة الرقمية، تماشيا مع مجموعة من الاتفاقيات تذكر منها ما يلي:

1- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000

حيث نصت المادة 18 على أنه : عندما يتعين سماع أقوال شخص موجود في إقليم دولة طرف، بصفة شاهد أو خبير أمام السلطات القضائية لدولة طرف أخرى، يجوز للدولة الطرف الأولى أن تسمح بناء على طلب الدولة الأخرى.

بعقد جلسة استماع عن طريق الفيديو إذا لم يكن ممكنا مثول الشخص المعني نفسه في إقليم الدولة الطرف الطالبة.

ويجوز للدول الأطراف أن تتفق على أن تتولى إدارة جلسة الاستماع سلكة قضائية تابعة للدولة الطرف الطالبة وأن تحضرها سلطة قضائية تابعة للدولة الطرف متلقية الطل.

2- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003

حيث أشارت إلى إمكانية اللجوء إلى تقنية الاتصال عن بعد بموجب الفقرة 18 من المادة 46 منها التي جاء فيهاM

 "عندما يكون شخص ما موجود في إقليم دولة طرف ويراد سماع أقواله كشاهد أو خبير أمام السلطات القضائية لدولة طرف أخرى يجوز للدولة الطرف الأولى أن تسمح بناء على طلب الدولة الأخرى بعقد جلسة الاستماع عن طريق الاتصال بواسطة الفيديو، إذا لم يكن ممكنا مثول الشخص المعني شخصيا في إقليم الدولة الطرف الطالبة.

 ويجوز للدولتين الطرفين أن تتفقا على أن تتولى إدارة جلسة الاستماع سلطة قضائية تابعة للطرف الطالبة وأن تحضرها سلطة قضائية تابعة للطرف الطالبة وأن تحضرها سلطة قضائية تابعة للدولة الطرف متلقي الطلب.

3- نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

نصت الفقرة 2 من المادة 69 : على إمكانية إدلاء الشاهد في المحاكمة بشهادته شخصيا وفق التدابير المنصوص عليها في المادة 68 أو في القواعد الإجرائية وقواعد الاثبات.

ويجوز للمحكمة أيضا أن تسمح بالإدلاء بإفادة شفوية أو مسجلة من الشاهد بواسطة تكنولوجيا العرض المرئي أو السمعي فضلا عن تقديم المستندات أو المحاضر المكتوبة رهنا بمراعاة هذا النظام الأساسي ووفقا للقواعد الإجرائية وقواعد الاثبات.

4- الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة عبر الحدود الوطنية

حيث أقرت استخدام تقنية الاتصال عن بعد في المادة 36 منها، حين نصت على إتاحة الإدلاء بالشهادة على نحو يكفل سلامة الشهود والخبراء والضحايا عن طريق استعمال التقنيات التكنولوجية الحديثة التي تضمن سلامتهم.

5-  البروتكول الإضافي الثاني للاتفاقية الأوروبية للمساعدة القضائية في المادة الجنائية

ويعتبر البروتكول الإضافي الثاني من بين أهم المواثيق الدولية التي تعنى بموضوع المحاكمة عن بعد، وقد ثم التوقيع عليه في ستراسبورغ بتاريخ 2001/11/08 ودخل حيز النفاذ في 2004/02/01.

 ويهدف إلى توسيع نطاق آلبات ووسائل التعاون القضائي فيما بين الدول الأوروبية بغية الاستفادة من الامكانيات والوسائل التكنولوجية الحديثة في المية والحي الحياة حيث كنا سرعة أكبر ومرونة أعلى وفاعلية لهذا التعاون وبما لا يتعارض مع حقوق الانسان وسيادة القانون.

وقد تضمنت المادتان التاسعة والعاشرة من البرتوكول الإضافي الثاني للاتفاقية، بيانا تفصيليا لكيفية استخدام هذه التقنية والتي نصت على أنه:

"إذا كان من المقرر الاستماع إلى شخص في إقليم أحد الأطراف كشاهد أو خبير من قبل السلطات القضائية لطرف آخر، يجوز لهذا الأخير أن يطلب إذا كان من غير المناسب أو من المستحيل أن يتم سماع الشخص مباشرة أمام المحكمة أن تتم الجلسة عن طريق استعمال التواصل بالفيديو".

إن الحديث عن مفهوم التقاضي عن بعد يفرض علينا تقسيم هذه الفقرة لثلاثة نقط أساسية، الأولى نحدد فيها مفهوم التقاضي عن بعد (أولا)، أما الثانية فتخصص للبحث في المصطلحات المشابهة له (ثانيا)، على أن نبحث في النقطة الثالثة في الخصائص التي يمتاز بها هذا النوع الحديث من التقاضي (ثالثا).

أولا - تعريف التقاضي عن بعد

التقاضي عن بعد هو إجراء المحاكمة وفق المتطلبات القانونية والإجرائية لأطراف الدعوى بحيث تبقى الهيئة القضائية في مقرها بدار القضاء وذلك من خلال ربطها عبر وسائل الاتصال الإلكترونية.

ثانيا - أنواع التقاضي عن بعد

هذا النوع الحديث من التقاضي له العديد من الانواع منها:

أ)  التقاضي عن بعد عن طريق نظام الاتصال من نقطة الأخرى

يتم بمقتضى هذا النظام الاتصال المباشر عبر المحادثة المرئية عن بعد، بين قاعة المحكمة ومكان آخر يوجد فيه المتهم أو أحد الشهود، وبعد هذا النظام أبسط أنظمة الاتصال المرئي المسموع وأقلها إثارة للمشكلات التقنية والفنية.

ب) التقاضي عن بعد عن طريق السويتش أو المتحدث النشط

حيث تتعدد الأماكن التي يتم بينها الاتصال للمحادثة المرئية، كأن تكون المحكمة في دولة والشهود في دولة ثانية.

والمتهم في دولة ثالثة، ويتطلب هذا النظام أن يتم إعداد هذه الأماكن تقنيا جيدا، بحيث يبدو لهذه الأطراف وكأنهم في مكان واحد، ولا تظهر شاشة العرض الموجودة في جميع هذه الأماكن، إلا صورة واحدة تتمثل في صورة الشخص الذي يتكلم، سواء القاضي أو المتهم أو الشاهد.

وفي حالة تكلم أكثر من شخص في نفس الوقت، فإن الاتصال المرئي المسموع يتم بطريقة آلية مع المكان الذي يوجد فيه الشخص صاحب الصوت الأعلى.

ت) التقاضي عن بعد القائم على نظام الحضور المستمر الثابت أو الموحد

بموجب هذا النوع، فإن الاتصال يتم بين خمسة أماكن مختلفة وبعيدة عن بعضها البعض جغرافيا، بمعنى قاعة المحاكمة. وأربعة أماكن أخرى متواجد فيها باقي أطراف الدعوى "الضحية - المتهم"، الشهود، وغيرهم.

ويوجد في كل مكان شاشة عرض لبث الصورة إلى هؤلاء الأشخاص، بالإضافة إلى أجهزة دقيقة يتم بواسطتها سماع صوت من يتكلم من المشاركين بهذه الجلسة.

د)  التقاضي عن بعد القائم على نظام الحضور المستمرا المتقدم

بناء على هذا النوع الأخير، فإن الاتصال المرئي المسموع عن بعد بين القاعة الرئيسية التي تجري فيها إجراءات التحقيق، وبين عدد كبير من الأماكن الأخرى البعيدة عنها، وبعد النظام من أحدث النظم التطبيقية لتقنية المحادثة المرئية عن بعد، حيث يتم تزويد الأماكن التي تتطلب وجود هذه التقنية بشاشات عرض الصورة وأجهزة الصوت التي يتكلم من خلالها المشاركين.

ويتم تقسيم شاشة عرض الصورة الموجودة في كل مكان من هذه الأماكن إلى أربعة أقسام ويتم تثبيت القسم الأول لعرض بانوراما عامة للقاعة التي تتم فيها المحاكمة، وقسمين آخرين في مكانين من الأماكن المتصلة بهذه القاعة.

 أما القسم الرابع والأخير من شاشة العرض، فيتنقل آليا بصورة تلقائية إلى صورة الشخص الذي يشارك، ويتكلم بصوت أعلى من غيره من المشاركين في جلسة التحقيق والمحاكمة.

ثالثا - التقاضي عن بعد وما يشتبه به

هناك العديد من المفاهيم المشابهة للتقاضي عن بعد والمتمثلة في:

أ) التقاضي عن بعد التقاضي التقليدي

إن مصطلح التقاضي عن بعد بعد مصطلحا حديثا يقابله مصطلح التقاضي التقليدي 397. فالتقاضي عن بعد يتفق مع التقاضي التقليدي في الموضوع وفي أطراف الدعوى فكلاهما يهدف إلى تمكين الشخص من رفع دعواه أمام الجهة المختصة قضائيا التي تنظر في النزاع وتصدر حكما بشأنه ولكنهما يختلفان في طريقة تنفيذ الإجراءات ففي إطار التقاضي عن بعد يتم التنفيذ عن طريق الوسيط المرئي والمسموع الأمر الذي يجعله يتميز بالعديد من الخصائص.

ب) التقاضي عن بعد والمحاكمة أونلاين

إن الفرق بين المحاكمة أونلاين والتقاضي عن بعد هو أن المحكمة في إطار التقاضي عن بعد تحافظ على جلسات المحاكمات في قاعة المحاكم بالطرق التقليدية إلا أن الاتصال مع أحد المعنيين بالدعوى يكون مرئيا وليس بحضوره الشخصي، في حين أن المحاكمة أونلاين تتضمن تعديلا جذريا في أساليب المحاكمات يجعل مراحل التقاضي اعتبارا من القيد وحتى التنفيذ إلكترونيا.

رابعا - خصائص التقاضي عن بعد

إن أهم ما يتميز به نظام التقاضي عن بعد مجموعة من الخصائص تجعله يختلف عن التقاضي بالطرق التقليدية ويواكب التطور في ظل ثورة تكنلوجيا المعلومات التي أحدثت نقلة نوعية في مجالات الحياة المعاصرة حيث يتميز الأول عن الثاني بسرعة وسهولة الاتصالات وإمكانية إرسال الوثائق والمستندات بين الأطراف المتعددة مما يؤدي إلى توفير الجهد والوقت والكلفة.

ويعتمد التقاضي عن بعد وبشكل أساسي على شبكات الاتصالات والمعلومات والتي من أهمها الأنترنيت ويعتبر جهاز الحاسوب الوسيط الإلكتروني بين طرفي التقاضي على أن يكون هذا الجهاز متصلا بشبكة الاتصالات الدولية التي تقوم بنقل التعبير عن الإرادة إلكترونيا لكل من الطرفين المتقاضين وكذلك المتعاقدين في ذات اللحظة رغم انفصالهم مكانيا، ويمكن أن نحدد أهم الخصائص الرئيسية التي يتميز بها النظام وهي كالتالي:

أ)  سرعة تطبيق إجراءات التقاضي

إن عملية تطبيق إجراءات التقاضي عبر شبكة الأنترنيت تحقق انجازا سريعا في تطبيقها بين طرفي التقاضي حيث تتم عملية إرسال واستلام المستندات والوثائق دون الحاجة لانتقالهما مرات عديدة لمقر المحكمة.

لذلك تساهم في اختصار الزمن وتوفير الجهد وتقليل النفقات وكذلك يؤدي عدم ذهابهم لمقر المحكمة إلى تقليل وامتصاص مشاكل ازدحام الجمهور في المحاكم وارتفاع جودة مستوى الخدمة المقدمة لأطراف الدعوى.

ب) عدم الحضور المادي للمتهم أثناء سير الدعوى

يعتبر التقاضي عن بعد عبر وسيلة video conférence خروجا عن الطابع التقليدي في المحاكمة والتي تعتمد على وسائل الاتصال المرئي البصري من خلال الأنترنيت، حيث يتم نقل الصوت والصورة المجموعة من الأشخاص المجتمعين في مكان ما إلى مجموعة أخرى من الأشخاص المجتمعين في مكان آخر.

وهي تقنية تطلبت وجود أنترنيت ذات سرعة عالية وميكروفونات وسماعات ذات جودة معقولة وكذلك كاميرات الويب أو webcam" يستطيع المشتركون فيه التحقيق أو المحاكمة سماع ورؤية الطرف الآخر في نفس الوقت كما لو كان الاجتماع في نفس المكان وليس في مكانين متباعدين.

2- الآليات غير الرسمية لتحقيق العدالة الرقمية

يقصد بالآليات غير الرسمية تلك الوسائل البدلية لفصل المنازعات الإلكترونية بدل اللجوء إلى المحاكم الوطنية أين يصطدم المتخاصمون بتعقيدات الإجراءات المتبعة من قبل هذه المحاكم ما تكلفه من أموال وجهد في التنقل.

المنازعات الالكترونية وتحقيق العدالة الرقمية
آليات فض المنازعات الالكترونية وتحقيق للعدالة الرقمية.

أصبح الاهتمام يتزايد لدى الأطراف المتنازعة بهذه الوسائل لما توفره من تسهيلات وباعتبارها أكثر الجهات خبرة للتعامل مع مسائل التجارة الإلكترونية والتقنية المعقدة والقانونية المستجدة، وما تتيحه من ثقة بكفاءة الجهة التي تتولى النظر في النزاع، وتتمثل هذه الوسائل في التحكيم الإلكتروني، والوساطة الإلكترونية.

1- دور التحكيم الإلكتروني في فصل النزاعات الإلكترونية

إن أهمية مصطلح ومفهوم التحكيم الإلكتروني تكمن فيما يثيره من مسائل قانونية إجرائية وموضوعية تتعلق مباشرة بمفهوم التحكيم ذاته في إطاره المجرد كما يتعلق بالهياكل والمؤسسات من جهة والأحكام من جهة ثانية في إطارها الإلكتروني.

ستحاول من خلال هذه الفقرة البحث في مظاهر التطور الذي مس من مفهوم التحكيم من خلال التعريفات التي أعطاها له الفقهاء (أولا) والخصائص المنبثقة عنه ثانيا) وجعل الفقهاء يختلفون حول الطبيعة القانونية للتحكيم الإلكتروني (ثالثا).

أولا - تعريف التحكيم الإلكتروني

للوقوف على مفهوم التحكيم الإلكتروني لابد لنا أولا من تحديد المقصود بالتحكيم بوجه عام، وذلك لأن التحكيم الإلكتروني لا يعدو أن يكون صورة حديثة من صور التحكيم التي فرضها التطور العلمي على الواقع العملي.

وإذا كانت العديد من التشريعات قصرت بخصوص التعرض لمفهوم التحكيم، فإن الفقه قد استفاض في هذا الشأن، وعرف التحكيم بطرق عديدة، وإن اختلفت في الصياغة إلا أنها اتفقت في المضمون، ومن بين هذه التعريفات تذكر:

  • أولاعرف البعض التحكيم بأنه "الاتفاق على طرح النزاع الناشئ عن العلاقات التجارية الداخلية أو الدولية على أشخصا معينين يسمون محكمين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة أصلا في النزاع.
  • ثانيا:كما يعرف على أنه الاتفاق على اختيار شخص أو أكثر للفصل فيما يثور مستقبلا أو يثور فعلا بينهم من منازعات بحكم ملزم دون المحكمة المختصة.
  • ثالثا: كما يعرف كذلك التحكيم الإلكتروني بأنه اتفاق الأطراف على إخضاع منازعاتهم الناشئة أو المحتمل نشوؤها عن العقود المبرمة بينهم بوسائل إلكترونية إلى شخص آخر يفصل فيها بموجب سلطة مستندة ومستمدة من اتفاق أطراف النزاع باستخدام وسائل اتصال حديثة تختلف عن الوسائل التقليدية المستخدمة في التحكيم التقليدي.

فلا يختلف التحكيم الإلكتروني عن التحكيم التقليدي إلا من خلال الوسيلة التي تتم فيها إجراءات التحكيم في العالم الافتراضي.

فقد تكون هذه الوسيلة البريد الإلكتروني، أو المحادثة عبر الأنترنيت أو غيرها من الوسائل التي وفرتها الثورة المعلوماتية، فهما يستندان على أساس واحد وهو اتفاق الأطراف، كما يتم إخضاع النزاع إلى محكم يستمد سلطته من هذا الاتفاق ليفصل في النزاع بحكم تحكيمي يختلف في مدى قوته الإلزامية عن حكم التحكيم في صورته التقليدية.

ثانيا - سرعة الفصل في القضايا

علاوة عن الخصائص التي يتمتع بها التحكيم التقليدي والمتمثلة في المرونة والتي جاءت كرد فعل مباشر للتخلص من النصوص القانونية وتقييدها لإجراءات التقاضي، يمتاز التحكيم الإلكتروني بعدة خصائص تذكر أهمها فيما يلي:

أ) سرعة الفصل في القضايا

بعد التحكيم الإلكتروني أكثر سرعة وتوفيرا للوقت من التحكيم التقليدي أو من إخضاع النزاع لإحدى المحاكم القضائية في دولة ما، فهو لا يكلف أطرافه مشقة الانتقال إلى محكمة التحكيم والتي قد تبعد عن المكان أو الدولة التي يتواجدون بها، كما يمكن الأطراف من تبادل المستندات والأدلة في وقت واحد عبر الوسائل الإلكترونية وهم في بيوتهم.

هناك العديد من أنظمة التحكيم الإلكتروني التي تلزم المحكم بإصدار قراره خلال 20 يوما من تاريخ تقديم طلب التحكيم، وهذا على خلاف الأمر لو أن النزاع يجري أمام محكمة قضائية وطنية فلا يوجد كقاعدة عامة ما يلزم القاضي على حسم النزاع في وقت محدد.

ب) السرية

إن الأصل في إجراءات التحكيم أنها سرية إلا على أطراف النزاع وممثليهم، خلافا على إجراءات التقاضي التي تكون علنية كمبدأ عام بحيث يستطيع أي شخص حضور هذه الجلسات ، فالعلنية في ميدان التجارة قد تنقلب وبالا على المحتكمين إذا كان من شأنها إذاعة أسرار صناعية أو تكنولوجية أو اتفاقات خاصة يحرص المحتكمون على بقائها سرا، فهناك من المحتكمين من يفضلون خسارة دعواهم على كشف أسرارهم التجارية التي تمثل في نظرهم قيمة أعلى من قيمة الحق موضوع النزاع.

ت) تقليل نفقات التقاضي

يعد اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني أقل كلفة من الرجوع إلى القضاء العادي أو اللجوء إلى التحكيم التقليدي فمطالبة المشتري بدفع الثمن عن طريق التحكيم الإلكتروني يكون أقل تكلفة من سلوك طريق التحكيم التقليدي أو القضاء.

 والسبب في انخفاض تكلفة اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني راجع لعدم اشتراط انتقال الأطراف من مكان إلى آخر. ولا يستلزم تمركز المحكمة أو جريان التحكيم في مكان محدد.

ث) الكفاءة

يرغب المحتكمون دائما عرض نزاعاتهم على أشخاص ذوي خبرة فنية خاصة ومحل ثقة، ومواكبين لتطور التجارة الإلكترونية، خاصة في المجال الفني والتجاري لهذه التجارة.

على عكس القضاء الذي يلزم المتنازعين بعرض نزاعهم على قاض معين قد تعوزه الخبرة في موضوع النزاع بالرغم من المساحة الواسعة لديه من المعرفة القانونية.

ج) اختيار هيئة التحكيم

إن طريقة اختيار هيئة التحكيم من أطراف النزاع من مميزات التحكيم، فيكون للأطراف أو ممثليهم اختيار المحكمين سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما يعطي للأطراف نوعا ما من الأمان والراحة النفسية.

حيث يساهمون في اختيار قاضهم الذي سينظر في النزاع، وهذا عكس ما تجده في القضاء الوطني أين نجد المحكمة مكونة من قضاة رسميين في الدولة لا دور للأطراف في تعيينهم .

ثالثا - الطبيعة القانونية للتحكيم الإلكتروني

لقد اختلف الفقهاء حول الطبيعة القانونية للتحكيم، فيما إذا كانت ذات طبيعة قضائية أو قضائية أو مختلطة، في حين يرى طرف آخر أنها ذات طبيعة مستقلة.

أ) الطبيعة التعاقدية للتحكيم

اعتبر البعض التحكمي عقدا رضائيا ملزم لجانبين، فأساس التحكيم هو اتفاق الأطراف ورغبتهم في تسوية النزاع الحاصل بينهم عن طريق تقدير شخص يختارونه بإدارتهم، وتبعا لهذا الرأي لا يتصور اعتبار سلطة المحكمة من قبل سلطة القضاء التي تعتبر من السلطات العامة في الدولة.

أما دور الدولة في مجال التحكيم فإنه يقف عند حد منع المساس بالنظام العام، وانتقد هذا الرأي كونه بالغ في إعطاء الرأي الأساسي لإرادة الأطراف، فالمحكم وهو يقوم بالفصل في النزاع يطبق إرادة القانون ولا يلقي بالا إلى ما قد يتكون إرادة الأطراف قد اتجهت إليه.

ب) الطبيعة القضائية للتحكيم

اعتبر أنصار هذا الرأي التحكيم نوع من أنواع القضاء، ذلك أن أطراف النزاع حين اتفاقهم على التحكيم لا يتنازلون عن حقهم في رفع دعوى قضائية لحماية حقوقهم، وإنما يتنازلون فقط عن حق اللجوء إلى القضاء الوطني.

كما أن الحكم الصادر عن المحكمين تتوافر فيه جميع خصائص العمل القضائي باستثناء أنه يصدر من هيئة خاصة وليس من هيئة عامة، كما أن طبيعة عمل المحكم تتماثل مع طبيعة عمل القاضي، وما يصدر عنه من أحكام ملزمة للأطراف .. انتقد هذا الرأي من حيث صعوبة إلحاق أحكام التحكيم بأحكام القضاء جملة واحدة، لأن هناك خلاف بين المحكم والقاضي.

فالأخير له وظيفة عامة ويتمتع بالاستقلال والحصانة، كما أن دعوى بطلان حكم التحكيم تتصل في مجموعها بحالات تعيب عقد التحكيم أو تنكره لذلك فهي تثير الشك في الصفة القضائية لحكم التحكيم.

ت)  التحكيم ذو طيعة مختلطة

إن التحكيم حسب أنصار هذه الطريقة ذو طبيعة مختلطة، فهو عقد حينما يتفق الأطراف على اللجوء للتحكيم.

وهو قضاء كون حكم التحكيم ملزم للأطراف بقوة غير القوة الملزمة للعقد، فهو ليس اتفاقا محضا ولا قضاء محضا فهو في أوله اتفاق وفي وسطه إجراء وفي آخره حكم.

إلا أنه يصعب النظر للتحكيم كعقد، فالعقد لا يحسم النزاع وليس جوهرا للتحكيم لعدم وجوده في التحكيم الإجباري، كما أن هذه النظرية لا تتفق مع طبيعة التحكيم نظرا لما يتمتع به القاضي من سلطات كتوقيع الغرامات على الخصوم، وأن الإجراءات تختلف من نزاع الآخر.

ث) التحكيم ذو طبيعة مستقلة

يرى أنصار هذه النظرية أن التحكيم وسيلة مستقلة وقائمة بذاتها من وسائل حل المنازعات فهو ذو طبيعة خاصة تميزه عن العقود وأحكام القضاء، فلا داعي للزج في أحضان أنظمة قانونية يتشابه معها في أمور ويختلف معها في أمور أخرى.

إذا كان ربط التحكيم بفكرة تقليدية عقدية كانت أم قضائية ذا فائدة في الماضي، فإن نفس الفكرة قد تقف الآن عائقا أمام نفسها على منازعات التجارة الدولية هذا ما جعل الكثير من الفقهاء يؤيدون الطبيعة المستقلة للتحكيم.

2- الوساطة الإلكترونية كبديل عن التقاضي الإلكتروني

عرفت البشرية الوساطة كحل بديل لإنهاء الخصومات تزامنا مع نشوء النزاعات في قديمة قدم النزاع واستمرت معه إلى أن ظهرت في أحسن ثوب فجذورها تمتد في أعماق الحضارات القديمة الغربية منها والشرقية.

 إذ عرفت كجزء مكمل للنظم القانونية في العصور الوسطى وفي تاريخ اليابان وإفريقيا والصين، فهناك إجماع بأهمية الوساطة في المحافظة على السلام في العلاقات البشرية بما تشكله من التزام أخلاقي في إنشاء الروابط المتينة بين أفراد المجتمع.

دراسة الوساطة كالية بديلة لفض النزاعات الإلكترونية فضلنا تقسيم هذه الفقرة إلى ثلاث نقط أساسية كما فعلنا مع التحكيم الإلكتروني، الأولى ستخصص لتحديد تعريف الوساطة الإلكترونية، الثانية سنبحث في خصائصها، أما الأخيرة فسنتطرق فيها لأنواع الوساطة الإلكترونية.

أولا - تعريف الوساطة الإلكترونية

يمكن تعريف الوساطة الإلكترونية على أنها عملية يوافق طرفا النزاع من خلالها على العمل مع شخص أو طرف ثالث محايد لحل النزاع القائم بينهما، مع منح كامل السلطة للمتنازعين في قبول الوساطة أو رفضها، مع انصراف عمل الوسيط وبذل جهوده صوب نقاط الخلاف واقتراح سبل الحل.

كما عرفتها الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون الأونسيترال النموذجي للتوفيق التجاري الدولي لسنة 2002 بأنها:

" آلية عملية سواء أشير إليها بتعبير التوفيق أو الوساطة أو بتعبير آخر ذي مدلول مماثل، يطلب فيها الطرفان إلى شخص آخر، أو أشخاص آخرين مساعدتهما في سعيهما إلى التوصل إلى تسوية ودية لنزاعهما الناشئ عن علاقة تعاقدية أو علاقة قانونية أخرى أو المتصل بتلك العلاقة، ولا يكون للموقف الصلاحية لفرض حل النزاع على الطرفين".

بعد ظهور عقود التجارة الإلكترونية كان لابد من البحث عن وسائل لحل النزاعات الناشئة عنها، تتناسب والطريقة الإلكترونية التي أبرمت بها من خلال تبني قواعد قانونية جديدة تتلاءم مع هذا النوع الجديد من التجارة فكانت الوساطة القضائية من بين هذه الوسائل، أين تم الأخذ بجزء من قواعدها الملائمة للتجارة الإلكترونية والعمل به لحل النزاعات الناشئة عن العقود الإلكترونية.

وبالتالي ظهور ما يسمى بالوساطة الإلكترونية كحل بديل لتسوية نزاعات عقود التجارة الإلكترونية، فكانت قواعدها وليدة تظافر عدة جهود على المستوى الداخلي والدولي.

تعرف الوساطة الإلكترونية بأنها : "عملية تتم بشكل فوري ومباشر على شبكة الأنترنيت، وتهدف إلى تسهيل التعاون والتفاوض بين أطراف النزاع، للتوصل إلى حل عادل يقبله أطراف النزاع".

وتختلف هذه الوساطة عن الوساطة التقليدية، في أنها تتم عن طريق وسيلة من الوسائل الإلكترونية بحيث أن الوساطة الإلكترونية لا تتطلب تجمع الأطراف والوسيط في مكان واحد وإنما قد تكون الأطراف المتنازعة والوسيط في دول مختلفة ويتحاورون باستخدام وسيلة من وسائل الاتصال الحديثة وغالبا ما تكون الأنترنيت.

تعتبر الوساطة الإلكترونية من أهم الوسائل لحل نزاعات عقود التجارة الإلكترونية، وذلك بفضل الوسط الذي يعمل على ربط الاتصال بين الأطراف، والوسيط عامل محايد مهمته طرح بعض الاحتمالات وللطراف قبولها أو رفضها جون ضغط أو إكراه، كما يمكن لهم العدول في أي لحظة.

ثانيا - خصائص الوساطة الإلكترونية

حققت الوساطة الإلكترونية نجاحا واسعا واقبالا هائلا من قبل المتنازعين في المجال الإلكتروني، باعتبارها وسيلة التسوية النزاعات عن بعد، وحتى يلجأ المتنازعين إلى الوساطة بكل ثقة دأبت مراكز الوساطة الإلكترونية على العمل من أجل توفير الثقة والأمان مع السرعة في فصل النزاعات المحالة إليها من قبل المتنازعين، ومن أبرز الخصائص والمزايا التي تتمتع بها الوساطة الإلكترونية ما يلي:

  1. فعالية الأدوات المستخدمة منذ لحظة إحالة النزاع لحين فصله في عملية الوساطة الإلكترونية.
  2. ضمان تسجيل كل ما يجري بين المتنازعين من مناقشات في برنامج مشغل على شبكة الإنترنيت، بدءا من مرحلة الاتصال الأولي بين طرفي النزاع على الاتفاق النهائي بينهما.
  3. توفير قنوات اتصال آمنة وقاعدة بيانات متكاملة تشمل سير عملية الوساطة، وكيفية الإثبات وتقديم الطلبات.
  4. بالإضافة إلى أمثلة متعددة أنواع القضايا، وتوفير قائمة بأسماء الوسطاء والدورات التي تلقوها والتي تؤهلهم لنظر النزاع، مع ترك حرية الاختيار للأطراف.
  5. تزويد طرفي النزاع بنموذج يشتمل على جميع الحلول الودية لفصل النزاع بغية تمكينهم من التفاوض على تسوية النزاع، كذلك تمكين المتنازعين من الاطلاع على الحلول المقترحة والمساح لهم بإبداء وجهة نظرهم وتعليقاتهم حولها.
  6. حفظ كامل المستندات والوثائق وتخزينها.
  7. تزويد المحكمة بنسخة من الاتفاق النهائي الموقع عليه من قبل المتنازعين إذا ما رفض أحدهم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
  8. مراعاة الوسيط لاتفاق الوساطة المبرم بين طرفي النزاع دون الخروج عنه أو تجاوزه خلال مراحل عملية الوساطة، مع إعطاء الحرية الكاملة لطرفي النزاع في الاتصال مع الوسيط والطرف الآخر للتفاوض حول مسائل النزاع بحيث يعد الوسيط على توفير مناخ ملائم لتبادل وجهات النظر.
  9. طرح الاحتمالات التي قد يرى طرفا النزاع قبولها دون ضغط أو إكراه من الوسيط الفصل النزاع القائم بينهما، بالإضافة إلى تقديم النصح والإرشاد الأطراف النزاع.
  10. إخطار طرفي النزاع بأوقات ومواعيد جلسات الوساطة عن طريق رسائل إلكترونية وتوفير الوقت والجهد على المتنازعين وذلك من خلال إجراء جلسات الوساطة عن بعد أي عبر شبكة الأنترنيت، وذلك دون تكليف المتنازعين مشقة الانتقال إلى مكان الجلسة.
  11. حفظ البيانات التي يقدمها المتنازعين للوسيط، والتي تكون على شكل طلبات أو وثائق أو أدلة مع صيانة العروض الخطية والشفوية الصادرة عن أي طرف أو وكيله دون أن تقدم أي منها للقضاء.

إن أهم الأسباب التي استوجبت اللجوء إلى الطرق البديلة لحل النزاعات وجود الأساليب التقليدية والشكليات الرسمية المعقدة، فحل النزاع عن طريق القضاء يحتوي ويشمل عدة أمور يجب اتباعها تحت طائلة البطلان مما يشكل قيودا على عاتق المتقاضين، ففي الوساطة بشكل عام والوساطة الإلكترونية بشكل خاص لا يوجد إجراء يترتب عليه البطلان.

 فعكس ذلك تهدف الوساطة لاتباع أي إجراء يمكن أن يؤدي لحل مرضي الأطراف المنازع الوسيط غير ملزم باتباع إجراءات معينة ما دام الهدف هو إيصال الأطراف للحل الذي يرغبون فيه.

الوسيط المكلف بالنزاع يحظر عليه إفشاء المعلومات التي حصل عليها في جلسات الوساطة لأشخاص آخرين إلا بموافقة المتنازعين، ومخالفته لهذه الالتزامات يترتب عليه قيام مسؤوليته وشطبه من قائمة الوسطاء المعتمدين فهذه السرية تعد أهم الركائز الأساسية للوسائل البديلة ومنها الوساطة.

فالمتنازعين يرحبون بعدم معرفة النزاعات الناشئة بينهم وأسبابها ودوافعها، نظرا لما قد تؤدي إليه هذه المعرفة بالمساس بمراكزهم وهذه السرية المطلقة تحيط بكافة جوانب وإجراءات الوسائل البديلة.

سرعة العمل على إيجاد حل لفصل النزاع مع الاقتصاد في التكاليف، فتمتاز القواعد الإجرائية المتبعة خلال عملية الوساطة بالمرونة وعدم التقيد بإجراءات مرسومة، وللأطراف حرية الاختيار في القواعد التي تناسبهم والتي يشترط أن تتسم بالحيدة والشفافية واحترام القانون.

فالوساطة الإلكترونية تتسم ببساطة إجراءاتها ووضوح قواعدها، تستخدم لتسوية عقود منازعات التجارة الدولية في مختلف الميادين والمجالات، كما أن الوساطة الإلكترونية قليلة التكلفة مقارنة بحل النزاع قضائيا، أو عن طريق التحكيم.

 وهي وسيلة فعالة جدا في منازعات عقود التجارة الدولية، وقد أكدت الدراسات أنه أكثر من 22% من منازعات عقود التجارة الدولية ثم تسويتها عن طريق الوساطة.

ثالثا - أنواع الوساطة الإلكترونية

تشتمل الوساطة باعتبارها من آليات الحلول البديلة لفصل النزاعات الإلكترونية في بلدان عديدة على صور مختلفة تهدف إلى تسوية النزاع وديا عن طريق التراضي والتوفيق بين الخصوم بإجراءات إلكترونية أكثر مرونة، ومن أهم صور الوساطة ما يلي 422 :

أ - الوساطة الاستشارية

في هذه الوساطة يقوم طرفي النزاع باستشارة خبير في موضوع النزاع ثم يطلبون منه بعد ذلك تدخله كوسيط لحل النزاع إلكترونيا.

ب - الوساطة التحكيمية

يتكون هذا النوع من الوساطة من شقين شق يتعلق بالوساطة، إذ يعمل أطراف النزاع بمساعدة الوسيط على حل النزاع بشكل ودي ابتداء، وحال فشل الحوار يحال النزاع إلى التحكيم ويصير الوسيط محكما لتسوية النزاع إذا رضي المتنازعان، أو ينقلون نزاعهم إلى آلية تحكيمية لا علاقة للوسيط بها، فقد يتفق الأطراف مسبقا تحسبا لأي نزاع قد ينشأ بينهم.

ت - الوساطة الاتفاقية

في هذا النوع من الوساطة يتم اختيار الوسيط من قبل الأطراف أنفسهم، حيث يجمعون على تسمية وسيط معين يجدون لديه القدرة الكافية والكفاءة لحل النزاع عند اختيار هذا الوسيط يتم التقدم بطلب للمركز الذي ينظر في الدعوى، ويقوم هذا الأخير بإحالة النزاع لهذا الوسيط الموجود في قائمة الوسطاء.

تعليقات